منذ توقيع اتفاق الطائف في العام ١٩٩٠، بدا وكأن لبنان قد ودع كابوس الحرب الأهلية إلى الأبد. حلّ هدوء حذر على البلاد، وبدأ البعض يحلم بمستقبل واعد بعيدًا عن الصراعات الطائفية. ولكن بعد مرور ربع قرن على هذا الاتفاق، يتضح أن جروح لبنان لم تندمل تمامًا، وأن بذور الخلاف لا تزال تنمو تحت السطح، مهددةً بزعزعة الاستقرار الهش الذي فرضه الطائف.
في عام 1975، اندلعت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية، مما حول البلاد إلى ساحةٍ للصراع المدمر بين مختلف الفئات الطائفية والسياسية. كانت هذه الحرب كالنار التي تأكل الأخضر واليابس، مزقت أوصال الوطن على مذبح الخلافات، زهقت آلاف الأرواح، وشردت الملايين من بيوتهم، تاركين وراءهم ذكريات مؤلمة وآمالًا محطمة.
عاشت لبنان في تلك الفترة سنواتٍ من العنف والفوضى، حيث كان الأخ يقاتل أخاه، والجيران يتحولون إلى أعداء. كانت الطائفية السياسية هي الوقود الذي أشعل هذه الحرب، حيث سعى كل طرف إلى تعزيز نفوذه وسيطرته على حساب الآخرين.
أمام اليأس من إيجاد حلٍ عسكري للحرب، تدخلت دول عربية وإقليمية لفرض اتفاق الطائف في عام 1989، الذي سعى إلى وقف نزيف الدم وتأسيس نظام سياسي جديد في لبنان. نص الاتفاق على تقسيم السلطة بين الطوائف اللبنانية المختلفة، مانحًا كل طائفة حصة في المناصب السياسية ومؤسسات الدولة.
كان اتفاق الطائف بمثابة قفزة في الظلام، حيث لم يكن أحد يعلم ما إذا كان سيحقق السلام والاستقرار أم لا. ومع ذلك، كان هناك بصيص أمل في أن يكون هذا الاتفاق بداية لنهاية الصراع وبداية لمرحلة جديدة من السلم والبناء.
بينما نجح اتفاق الطائف في وقف إطلاق النار على المدى القصير، لم يعالج الجذور الحقيقية للأزمة اللبنانية. بدلاً من إصلاح النظام السياسي بشكل جذري، ركز الاتفاق على تقاسم السلطة بين الطوائف، مما رسخ الطائفية السياسية وأجّل انفجارها إلى وقت لاحق.
كانت هناك مشاكل عميقة لم تُحل، مثل الفساد وسوء الإدارة والبطالة. هذه المشاكل زادت من تعقيد الوضع وزادت من حدة التوترات بين الطوائف المختلفة. كانت السلطة تتقاسم بين النخب الطائفية، مما جعل الإصلاحات الحقيقية شبه مستحيلة.
يجادل البعض بأن نموذج اتفاق الطائف قابل للتطبيق في الدول العربية التي تعاني من صراعات داخلية مشابهة. إلا أن التجربة اللبنانية تشير إلى أن هذا النهج قد يساهم في إخفاء المشكلات وتأجيل انفجارها بدلاً من حلها بشكل جذري.
لبنان، على الرغم من تنوعه الثقافي والديني، لم يكن يعاني من انقسامات عميقة قبل اندلاع الحرب الأهلية. بل كان نموذجًا للعيش المشترك وللحريات، حيث تعايشت مختلف الطوائف في سلام ووئام لقرون طويلة. لكن مع تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية، انفجرت هذه الخلافات وأدت إلى حرب دموية
على الرغم من مرور ربع قرن على توقيع اتفاق الطائف، لم تندمل جروح لبنان تمامًا. فالتقسيم الطائفي للسلطة لم يساهم في إصلاح النظام السياسي بشكل جذري، بل رسخ الطائفية السياسية وأجّل انفجارها إلى وقت لاحق.
ما زال لبنان يعاني من مشاكل كبيرة، مثل الفساد، وسوء الإدارة، والبطالة، والتدخلات الخارجية. هذه المشاكل تجعل من الصعب على البلاد تحقيق استقرار حقيقي. كلما بدت الأمور تتحسن، يعود شبح الطائفية ليطل برأسه، مهددًا بعودة الصراع.
تشكل تجربة الطائف درسًا هامًا للدول العربية التي تسعى إلى حل صراعاتها الداخلية. فهل ستتعلم هذه الدول من أخطاء الماضي وتسعى لإيجاد حلول جذرية تعالج الأسباب الحقيقية للصراعات، أم ستسلك طريق التقاسم المؤقت للسلطة الذي أخّر انفجار الأزمة اللبنانية لعقود؟
يجب أن ندرك أن الحلول المؤقتة ليست حلاً مستدامًا. بل يجب أن نسعى إلى إصلاحات جذرية تعالج الأسباب الحقيقية للصراعات، مثل الفساد، وسوء الإدارة، والبطالة، والتدخلات الخارجية. هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق سلام واستقرار دائمين.
يشكل اتفاق الطائف علامةً فارقة في تاريخ لبنان، حيث أنهى مرحلة دامية من الصراع وفتح الباب أمام فرصة جديدة للسلم والاستقرار. إلا أن هذا الاتفاق لم يخلص لبنان من جميع مشاكله، بل ترك خلفه جروحًا عميقة لا تزال تنزف تحت رماد السلام.
تجربة الطائف تشكل درسًا هامًا للدول العربية التي تسعى إلى حل صراعاتها الداخلية. يجب أن تتعلم هذه الدول من أخطاء الماضي وتسعى لإيجاد حلول جذرية تعالج الأسباب الحقيقية للصراعات، بدلاً من التقاسم المؤقت للسلطة الذي أخّر انفجار الأزمة اللبنانية لعقود.
إن الطريق نحو السلام والاستقرار يتطلب شجاعةً ورؤيةً مستقبلية. يجب أن نتجاوز المصالح الطائفية والسياسية الضيقة ونسعى لتحقيق مصلحة الوطن ككل. فقط من خلال هذا النهج يمكننا أن نبني مستقبلًا أفضل للأجيال القادمة ونضمن أن لا يعود شبح الطائفية ليخيم على بلادنا مرة أخرى.
مقال من ابداع الذكاء الاصطناعي
مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها
شاركنا رأيك